الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل ، التائب على من تاب فليس بينه وبين العباد حائل ، جعل ما على الأرض زينة لها وكل نعيم فيها لا محالة زائل ، حذر الناس من الشيطان وللشيطان منافذ وحبائل ، نحمده تبارك وتعالى ونثني عليه فالحمد منه وإلى جنابه واصل
وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والشبيه والمشاكل ...من للعباد غيره؟ ومن يدبر الأمر ويعدل المائل ؟...من يشفى المريض ؟؟؟ ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل ؟؟...من يرزق العصاة ولولا حلمه لأكلوا من المزابل...من يجيب المضطر إذا دعاه وهل استعصت على قدرته المسائل ......من يكشف الكروب والغموم...من يشرح الصدور..؟؟ من كسانا من أطعمنا وسقانا ومن هيأ لنا المخارج والمداخل ... إنه الله ؛ الإله الحق ، وكل ما خلا الله باطل ...
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبد الله ورسوله، أكمل الله به الدين وأتم به النعمة وأقام به الحجة، نشهد أنك أديت الأمانة، وبلغت الرسالة، ونصحت الأمة، وكشف الله بك الغمة، وعبدت الله حتى لبيت داعيه، وجاهدت في سبيل ربك حتى أجبت مناديه، علمت الجاهل ، وقومت المعوج، وأمنت الخائف، وطمأنت القلق، ونثرت أضواء الحق والخير والإيمان والتوحيد على الدنيا كما تنثر الشمس ضياءها في رابعة النهار، فصل اللهم وسلم وبارك عليك يا سيدي يا رسول الله، وجزاك الله عنا وعن الإسلام خير ما جازى الله به نبيا عن أمته ورسولا عن دعوته..
صلى عليك الله يا علم الهدى صلى عليك الله يا علم التقي ما ناح قمري على الاغصان وعلى جميع الصحب الكرام والازواج والآل...
أما بعد { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون }
أيها الأحباب الكرام أحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : حديثنا اليوم بحول الله وفضله عن قصة صراع. صراع بين النور والظلام ، صراع بين الهداية والضلال ، صراع بين الكفر والايمان ، صراع بين الطاعة والعصيان ، قصة صراع بين الإنسان والشيطان .
فما حقيقية هذا الصراع ..متى بدأ ومتى ينتهي وما هي أساليبه وأخيرا كيف النجاة ؟ نجيب عن هذه الأسئلة في هذا اللقاء واللقاءات القادمة إن شاء الله تعالى
الصراع بين الانسان والشيطان صراع قديم حديث بدأ في الجنة حين رفض الشيطان أن يمتثل لأمر الله بالسجود لآدم، كما ذكر الله: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) قال : أأسجد لمن خلقت طينا ، أنا خير من خلقتني من نار وخلقته من طين ، فطرده الله ولعنه وقبحه ومسخ صورته لأقبح صورة وبعد أن كان يلقب بطاووس الملائكة لقب بالشيطان الرجيم ، فأقسم بعزة جلال الله بين يدي الله أن يضل آدم وذريته { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين} [ص:82].
ثم كانت الجولة الأولى في إضلال الأبوين، فنجح الشيطان في إغوائهما وإخراجهما من الجنة، قال الله تعالى : (وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (35) – فماذا فعل ز؟ هل تركهما في الجنة يهنأن ؟ لا - فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (36).
وتستمر هذه العداوة بين الشيطان والانسان الى قيام الساعة قال الله حاكيا عن ابليس : { قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15) قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (18)
ثم جاء التحذير من شرك الشيطان وحبائله ومنافذه وخطواته فقال ربنا في سورة الأعراف : (يابني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون (27) } [الأعراف]
وقال في سورة فاطر : (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير) وقال في سورة البقرة : (ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون )
وتبدأ معركة الشيطان مع ابن آدم من حين ولادته : في الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد، فيستهل صارخا من مس الشيطان، غير مريم وابنها» ثم يقول أبو هريرة: {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم}
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «صياح المولود حين يقع، نزغة من الشيطان»
وخلال حياة الإنسان تستمر صور الكيد الشيطاني لهذا الإنسان في كثير من أحواله، فعن جابركما في صحيح مسلم قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يقول إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه) يقعد له في كل مرصد كما قال الله (وإن يدعون إلا شيطانا مريدا * لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا *ولأضلنهم ولأمنينهم ولآمرنهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا * يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)
للشيطان رسل وأدوات يعينونه على ابن آدم منها:
1- الغضب والشهوة فإن الغضب هو غول العقل وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة في صحيح البخاري من حديث سليمان بن صرد، قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد " فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون.
والغضب وسيلة للتحريش بين الناس والتفريق بينهم وهو غاية للشيطان قال الله تبارك وتعالى: { ياأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } [المائدة:90-91]. {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا} [الإسراء:53].
وفي صحيح عن جابر قال سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش )
ومن ذلك التحريش بين الزوجين وإفساد قلبيهما، فعن جابر كما في صحيح مسلم قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا قال ثم يجيء أحدهم فيقول ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت)) قال الأعمش أراه قال: فيلتزمه.
أما عن الشهوة و فتنة النساء: فقد روى الترمذي عن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) قال أبو الطيب في قوله: ((استشرفها)) أي زينها في نظر الرجال. قال المناوي في فيض القدير: النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، فأمرن بعدم الخروج حسما لمادة إغوائه وإفساده. انتهى.
وفي صحيح مسلم عن جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه فقال: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يرد ما في نفسه). قال النووي: "قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء" [شرح صحيح مسلم 9/188].
خطب عمر الناس بالجابية فقال إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام في مثل مقامي هذا فقال: (أحسنوا إلى أصحابي . . . .ولا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان) قال سعيد بن المسيب: ما آيس إبليس من أحد إلا وأتاه من قبل النساء. ويقول عطاء بن أبي رباح : (لو ائتمنت على بيت مال لكنت أمينا ، ولا آمن نفسي على أمة شوهاء)
وذكر الغزالي في الاحياء بصيغة التمريض قال : روي أن موسى عليه السلام لقيه إبليس فقال له يا موسى أنت الذي اصطفاك الله برسالته وكلمك تكليما وأنا خلق من خلق الله أذنبت وأريد أن أتوب فاشفع لي إلى ربي أن يتوب علي فقال موسى نعم فلما صعد موسى الجبل وكلم ربه عز وجل وأراد النزول قال له ربه أد الأمانة فقال موسى يا رب عبدك إبليس يريد أن تتوب عليه فأوحى الله تعالى إلى موسى يا موسى قد قضيت حاجتك مرة أن يسجد لقبر آدم حتى يتاب عليه فلقي موسى إبليس فقال له قد قضيت حاجتك أمرت أن تسجد لقبر آدم حتى يتاب عليك فغضب واستكبر وقال لم أسجد له حيا أسجد له ميتا ثم قال له يا موسى إن لك علي حقا بما شفعت لي إلى ربك فاذكرني عند ثلاث لا أهلكك فيهن اذكرني حين تغضب فإن روحي في قلبك وعيني في عينك وأجري منك مجرى الدم اذكرني إذا غضبت فإنه إذا غضب الإنسان نفخت فيه أنفه فما يدري ما يصنع واذكرني حين تلقى الزحف فإني آتي ابن آدم حين يلقى الزحف فأذكره زوجته وولده وأهله حتى يولى وإياك أن تجلس إلى امرأة ليست بذات محرم فإني رسولها إليك ورسولك إليها فلا أزال حتى أفتنك بها وأفتنها بك .
2- الغناء: قال تعالى: {واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك} [الإسراء:64]. قال مجاهد هو الغناء والمزامير. [تلبيس إبليس ص232]. وقال أبو الصهباء : سألت ابن مسعود عن قوله تعالى : " ومن الناس من يشتري لهو الحديث " ، فقال : والله الذي لا إله غيره هو الغناء - يرددها ثلاث مرات –
وروى البخاري تعليقا من حديث أبي مالك الأشعري قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف .. " الحديث
في صحيح البخاري عن عائشة قالت دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال: ((دعهما. . .)). فلم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-تسمية الغناء بمزمار الشيطان ولكنه أذن فيه لأن ذلك اليوم يوم عيد.
3- الوسوسة وإلقاء الشبهات على القلب: في سنن أبي داود عن ابن عباس، أنهم قالوا: يا رسول الله إنا نحدث أنفسنا بالشيء لأن يكون أحدنا حممة أحب إليه من أن يتكلم به؟ قال : فقال أحدهما: " الحمد لله الذي لم يقدر منكم إلا على الوسوسة " وقال: الآخر: " الحمد لله الذي رد أمره إلى الوسوسة " قال ابن قدامة رد أمره مكان رد كيده. . وفي صحيح ابن حبان قال انه محض الايمان
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا، من خلق كذا، حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته "
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن للشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ثم قرأ: {الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء} الآية. [الترمذي 2988]. قال أبو الطيب: لمة الشيطان الوسوسة.. ما يقع في القلب بواسطة الشيطان. [تحفة الأحوذي 8/265].{قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس} [الناس:1-4].
4- التدرج في الإغواء واتباع طريقة الخطوات {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} [النور:21]. ومن ذلك تدرجه في إضلال قوم نوح فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد أما ود كانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع كانت لهذيل وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبإ وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت)
ومن ذلك استدراجه لعابد من بني إسرائيل حتى أوقعه في الزنا ثم الكفر ثم تخلى عنه، والقصة رواها الحاكم وعامة المفسرين في تفسير قوله تعالى: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} [ الحشر:16].
ذكرها الإمام ابن جرير وابن كثير والبغوي وابن الجوزي وابن القيم في تفسير هذه الآية من سورة الحشر وهي قصة رهيبة، إنها قصة عابد من عباد بني إسرائيل يقال له: برصيصا، هذا العابد كان من أعبد عباد زمانه، وكان هناك في بلدته ثلاثة من الإخوة، وكانت لهم أخت وكانت بكرا، فلما خرج عليهم الغزو وخرجوا للقتال، قالوا: لا نأمن أن نترك أختنا إلا عند عابد بني إسرائيل، وذهبوا بأختهم إلى هذا العابد الذي يسمى برصيصا، وألحوا عليه أنه تظل أختهم معه فرفض وأبى في بادئ الأمر فظلوا عليه بإلحاحهم حتى قبل هذا العابد ذلك، وقال: ولكن لا تجعلوها معي، اجعلوا لها خلوة إلى جوار خلوتي وصومعة إلى جوار صومعتي، فصنعوا لها ما أراد العابد، وانصرفوا إلى حال سبيلهم، وجاء الشيطان إلى هذا العابد ليلعب معه لعبته القذرة.
فكان كل يوم ينزل بالطعام ويضعه على بابها ثم يصعد إلى صومعته ويناديها من أجل أن تأخذ الطعام، فجاء الشيطان ووسوس له، وقال له: لو أنها خرجت لتأخذ الطعام لربما يراها بعض الفساق، فأدخل إليها الطعام، فالرجل أدخل الطعام، ثم بعد حين جاء الشيطان وقال له: هذه أنثى وحيدة مسكينة تجلس وحدها، فلو أنك خرجت من مكانك، وهى خرجت في مكانها، فآنستها، وذكرتها بالله، وعلمتها؛ فاستجاب، ثم بعد حين قال له: لو جلست فلربما يراها بعض الفساق، ادخل إلى حجرتها وعلمها، فدخل، وما زال الشيطان يزينها ويجملها ويراود هذا الراهب عن نفسه، حتى ضرب على فخذها ثم وقع عليها، فحملت منه ثم وضعت، فقال له: الآن يأتي إخوانها من الغزو فيفضحوك، اقتل الغلام، فقتل الطفل، ثم قال له: لا شك أنها ستخبر إخوانها، فاقتلها، فقتلها ودفنها، ثم جاء إخوانها وسألوه فبكى وترحم عليها، وقال: الأخت كانت قد مرضت ثم ماتت، فقمت عليها فدفنتها، فصدقوه، فجاء الشيطان للأخ الأصغر في المنام وأخبره بما حصل لأخته من قصة الراهب كاملة، ثم جاء للأخ الأوسط، ثم جاء للذي بعده، ثم للذي بعده، فلما أصبحوا قال الأخ الأصغر: والله! لقد رأيت عجبا، رأيت فيما يرى النائم كأن قائلا قال لي: وحكى القصة، وقال الآخر: وأنا رأيت مثل الذي رأى، وهكذا، حتى ذهبوا إلى الحاكم وأخبروه، فجاء بالراهب، وما زال به حتى اعترف بكل الذي كان، وبأنه زنى ثم قتل وكذب، فحكم عليه بالصلب، فجاءه الشيطان وقال له: أنا الذي زين لك ما مضى، وإني قادر على أن أنجيك الساعة، قال له: وكيف ذلك؟ قال: تسجد لي، فسجد له، فقال له الشيطان: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين، قال الله عز وجل: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين} [الحشر:16].
إرسال تعليق